بقلم : محمد غفغوف
لم يكن يمشي في حي الشهداء…كان ينساب،
طفلٌ نحيل، يخترع لعبة اسمها “الكرة”، قبل أن تُعلّمه المدارس، وقبل أن تفتح له الملاعب بوابات المجد.
في فاس، حيث كانت المدينة تهمس بأسماء العظماء في الأسواق القديمة، وتهتف المدرجات بإيقاع لا يشبه سواه، كان هناك صبيٌّ يركض دون أن ينظر خلفه، لم يكن يبحث عن شهرة، بل عن نفسه في مساحة خضراء تليق بقلبه.
هو عبد العالي الزهراوي، واحدٌ من أولئك الذين ينسجون المجد بصمت، ويغادرون الملعب بخفة من لا ينتظر التصفيق… وجدته الكرة في ركن من أركان المدرسة، فسافرت به إلى “المغرب الفاسي”، الفريق الذي صار أهله ومأواه، ومن هناك، بدأت الحكاية…
كان وسط ميدان دفاعيًا، لكنّه لعب بعقل مهاجم وقلب مدافع، في كل لمسة، كانت الحنكة تسبق الحركة، وفي كل تمريرة، كانت المدينة تُعلن عن فخر جديد.
وحين اختارته الأقدار ليكون ضمن فرسان ملحمة 1976، لم يتردد، كان يرتدي القميص الوطني كما يرتدي الجندي بزّته في ساعة المعركة، هناك في أديس أبابا، حين رفع المغرب كأسه القارية الوحيدة… كان هو أحد الأعمدة الصامتة لذلك النصر.
لم يكن الزهراوي يصرخ في الملعب، كانت يسراه تفعل ذلك نيابة عنه، تمريرة واحدة منه، كانت كافية ليعيد ترتيب الملعب ويزرع فيه هدوءًا قاتلًا للخصوم.
الناس يتذكرون الهدافين…
لكنّ من يحفظ التوازن ويصنع الثقة، قلّما يُذكر كما يستحق.
اليوم، وقد مضت سنوات وسنوات، وصمت الرجل وتوارى، لا زالت فاس تذكره،
وحدها المدينة التي تعرّفت على هدوئه وأخلاقه وشموخه، تعرف أن هذا الرجل لا يجب أن يظلّ مجرد سطر في كتاب.
إنه وقت التكريم، وقت أن تحتفي فاس بأحد أبنائها النبلاء، أن يُقام له حفل وطني يليق برجل لم يطلب شيئًا، لكنه أعطى كل شيء.
وأن يُطلق اسمه على ملعب من ملاعبها، لا لتجميله فقط، بل لتعليم الأجيال القادمة أن المجد لا يصنعه من يصرخ، بل من يخلص.
عبد العالي الزهراوي… ليس مجرد لاعب مرّ ذات يوم من ملعب الحسن الثاني، هو الذاكرة التي يجب أن تروى،
هو فاس حين تكون على شكل إنسان يمشي على العشب، ويسكن القلب.