بقلم: محمد غفغوف
عرفت مدينة فاس خلال السنوات الأخيرة دينامية عمرانية مهمة في مجال إحداث ملاعب القرب، في إطار برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وجهود الجماعة الترابية لفاس سابقا، والبرامج الموازية لإعادة تأهيل الأحياء الناقصة التجهيز، هذه الملاعب، التي كان يُراد لها أن تكون متنفسًا رياضيًا واجتماعيًا للأطفال والشباب، تحولت في كثير من الحالات إلى فضاءات مهجورة، أو نقاط توتر، أو مشاريع بدون روح ولا أثر تنموي فعلي.
فعلى مستوى البنية التحتية، لا يختلف اثنان في كون العشرات من ملاعب القرب بُنيت بالفعل في مختلف أحياء المدينة، من الزهور إلى بن دباب، ومن سيدي بوجيدة إلى حي الأمل، ومن زواغة إلى جنان الورد، لكن سرعان ما بدأت هذه الفضاءات تفقد جاذبيتها بسبب التآكل السريع للعشب الاصطناعي، وتلف الأسوار الحديدية، وغياب الصيانة الدورية، وافتقار أغلب الملاعب إلى مرافق مرافقة مثل مستودعات الملابس، المراحيض، والإنارة الليلية بل إن بعض القاعات المغطاة بفاس، رغم محدودية عددها، لم تسلم بدورها من الإهمال وضعف الطاقة الاستيعابية، كما هو الحال في قاعة 11 يناير وغيرها.
غير أن الإشكال الأعمق لا يتعلق بالبنية فقط، بل بالتدبير، إذ لا وجود لنموذج موحد وواضح لتسيير هذه الملاعب، حيث تختلف طرق الاستغلال من حي إلى آخر: هناك ملاعب تسيّرها جمعيات محلية، وأخرى تُدار بطريقة شبه تجارية من طرف خواص أو مقاولين، وملاعب تظل مغلقة في وجه الشباب دون سبب واضح، وقد تكررت شكاوى السكان حول الزبونية في منح رخص الاستغلال، أو فرض رسوم خفية على الحجز، أو غياب أي بيانات حول عائدات هذه الملاعب وسبل صرفها، والأخطر من كل ذلك، أن غياب المراقبة والمساءلة جعل بعض هذه الفضاءات تتحول إلى وسيلة للربح بدل أن تكون خدمة عمومية لفائدة المواطنين.
أما على مستوى التأطير الرياضي، فالصورة أكثر قتامة، فباستثناء بعض المبادرات الموسمية، كتنظيم دوريات رمضانية أو لقاءات بمناسبات وطنية، لا وجود لبرامج سنوية أو دورية تستهدف تأطير الأطفال والمراهقين في هذه الملاعب.
لا مؤطرون مؤهلون، ولا شراكات مفعلة مع الأندية المحلية أو المؤسسات التعليمية أو الجامعات، ولا برامج لاكتشاف المواهب أو مرافقتها رياضيًا وتربويًا، هذا الغياب التام للتأطير أدى إلى تضييع فرص كثيرة على شباب المدينة، بل وساهم أحيانًا في تنامي السلوكات السلبية والعنف داخل بعض هذه الفضاءات.
ورغم هذا الواقع، فإن الأمل لا يزال ممكنًا، فمدينة فاس، بتاريخها الرياضي العريق، وبتعدد أحيائها وشرائحها الشبابية، تستحق رؤية جديدة لملاعب القرب والقاعات المغطاة، رؤية تُعيد الاعتبار لهذه المنشآت، وتربطها بالتنمية المجالية، والتربية على المواطنة، والتأطير الرياضي الفعلي، المطلوب اليوم ليس فقط تأهيل البنية، بل أيضًا إرساء حكامة جديدة في التسيير، تقوم على الشفافية، والمسؤولية، والمشاركة المجتمعية، وتمنح الفرصة للجمعيات الجادة لتأطير الناشئة عبر برامج واضحة ومدعومة، كما أن فتح هذه الملاعب أمام العموم بشروط عادلة، وربطها بمبادرات ميدانية مستمرة، يمكن أن يحوّلها إلى مشاتل حقيقية للمواهب، ومتنفسات للعيش الكريم، بدل أن تظل مجرد بنايات إسمنتية دون أثر.
ملاعب القرب بفاس تحتاج إلى من يُعيد لها روحها، فالملاعب ليست مجرد فضاء للركض خلف كرة، بل فضاء للانتماء، للتنشئة، ولحلم يستحق أن يُصان.