متابعة : نهيلة شقور
الرباط – تشهد الساحة القضائية المغربية تصاعدًا ملحوظًا في التحقيقات الموجهة ضد شبكات “السمسرة القضائية”، إذ تم مؤخرًا توقيف مجموعة جديدة من المشتبه فيهم بينهم قضاة، موظفون قضائيون، محامون، وسماسرة، في إطار حملة موسعة تهدف إلى تطهير منظومة العدالة من ممارسات الوساطة غير القانونية.
وفق مصادر قضائية مطلعة، فإن فرقة التحقيق المكلفة بالملف وضعت يدها على هواتف محمولة وسجّلت اتصالات بين وسطاء وقضاة يظهر فيها الترتيب للحصول على أحكام قضائية بطرق غير قانونية. ويُعتقد أن بعض هذه الاتصالات ساهمت في كشف شبكة واسعة تعمل عبر عدة مدن مغربية.
في دفعة الاعتقالات الأحدث، تم توقيف نحو عشر متهمين ووضعهم في الحراسة النظرية، من بينهم موظفون تابعون لأجهزة القضاء وأمنيون. بعضهم تم إحالتهم على قاضي التحقيق، فيما أُودع آخرون السجن الاحتياطي خلال انتظار مزيد من الإجراءات القضائية.
المتابعة لا تقتصر على وسطاء فقط، بل تتجاوزهم إلى أوساط قضائية أعمق. ومن بين الموقوفين الذين يتم التحقيق معهم، يوجد منتدبون قضائيون في محاكم استئناف، إضافة إلى محامين يشتبه في دورهم في هذه الوساطة.
إلى جانب ذلك، تشير مصادر مالية وقضائية إلى أن التحقيقات تشمل قضاة من محاكم عديدة، بما في ذلك محاكم استئناف في مدن رئيسية واقعة ضمن نطاق هذه التحقيقات.
ما يثير الاهتمام أيضًا
يُشير التحقيق إلى أن بعض المتهمين جرى تحويلهم إلى السجن، وأن تهمًا ثقيلة مثل “الرشوة” و”التلاعب في الأحكام القضائية” و”استغلال النفوذ” قد وُجّهت إليهم. وتعد هذه القضية من أكبر القضايا القضائية المعروفة في السنوات الأخيرة لأنها تمس جوهر الثقة في النظام القضائي.
بحسب مسؤولين قضائيين مطلعين، فإن هذه العمليات تعكس إصرارًا من الجهات الرقابية على التصدي للفساد داخل القضاء، لا سيما في ما يتعلق بالممارسات المرتبطة بالسمسرة لاستصدار أحكام لصالح من يدفع الوسيط.
تجعل هذه التطورات البعض يصفها بأنها “زلزال قضائي” حقيقي، لأن الاعتقالات لا تقتصر على وسطاء فقط، بل تشمل عناصر من داخل العدالة نفسها. ويُنظر إلى هذه الحملة على أنها علامة فارقة في جهود مكافحة الفساد القضائي، وقد تفضي إلى إصلاحات هيكلية في طريقة عمل بعض المحاكم وآليات التوظيف والرقابة.
كما يُنبّه مراقبون إلى أن ما يجري قد يعزز من الضغوط على الجهات القضائية العليا لتبني آليات شفافية ورقابة أكثر صرامة على الاتصالات بين الوسطاء القضائيين ومن يمارسون السلطة القضائية.
هذه الموجة الأخيرة من التحقيقات والاعتقالات تُظهر أن الدولة تسير في طريق تصفية الخلل داخل منظومة العدالة، وأن هناك قدرة على إحداث أثر حقيقي ضد من يتلاعب بالقضاء لتحقيق مكاسب غير مشروعة. ومع استمرار التحقيقات، سيبقى الشارع القضائي يتابع باهتمام كبير ما إذا كانت هذه الخطوة بداية إصلاح بنيوي حقيقي أو مجرد عملية مؤقتة.

