بقلم : محمد غفغوف
تمر الساحة الحزبية بمدينة فاس بمرحلة دقيقة تتسم بالارتباك وغياب الرؤية، في وقت تحتاج فيه المدينة إلى جرعة من الوضوح والمسؤولية السياسية.
لقد تحوّل المشهد إلى فضاء يغلب عليه الارتجال، حيث تراجعت قيم الالتزام والجدية، وحلّت محلها حسابات انتخابية ضيقة ومصالح آنية محدودة الأفق.
الأغلبية المسيرة لمجلس جماعة فاس تبدو عاجزة عن ترجمة الوعود إلى أفعال، تعيش على وقع التردد والارتباك، وتفتقر إلى روح المبادرة والإبداع في التسيير.
أما المعارضة، فبدل أن تشكل قوة اقتراحية ورقابية بنّاءة، انجرفت في كثير من الأحيان نحو منطق المزايدة والبحث عن التموقع المسبق في خريطة الانتخابات القادمة.
تحوّل بعض الفاعلين إلى مؤثرين رقميين أكثر منهم فاعلين سياسيين، يستثمرون مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج الذاتي أكثر مما يوظفونها في خدمة النقاش العمومي الجاد.
هذا الوضع يعكس أزمة عميقة في الثقافة السياسية، تتجلى في غياب المشروع المجتمعي الحقيقي لدى أغلب الأحزاب، وفي ضعف تكوين النخب المحلية التي يفترض أن تحمل همّ المدينة وتدافع عن مصالحها.
إن فاس، بما تمثله من رمزية حضارية وتاريخية، لا يمكن أن تُدار بعقلية الارتجال أو بمنطق الغنيمة السياسية.
فهي في حاجة إلى نخبة جديدة تُؤمن بأن العمل الحزبي مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون موقعًا انتخابيًا، وأن خدمة المواطن تتطلب كفاءة وصدقًا وإخلاصًا.
إن استعادة الثقة في السياسة لن تتم بالشعارات، بل بالممارسة اليومية التي تُعيد الاعتبار للجدية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولأن الصمت أمام التراجع ضربٌ من التواطؤ، فإن دق ناقوس الإنذار واجبٌ وطني وأخلاقي.
فاس تستحق أن تُدار بعقل الدولة لا بعقل المصلحة، وأن يُعاد إليها بريقها كعاصمة للعلم والفكر والمسؤولية الوطنية.

