أشرف اولاد الفقيه: باحث في التعمير.
تسلط قضية قصر بوسكورة الضوء مجددا على الإشكالات البنيوية التي يعرفها قطاع التعمير بالمغرب، وعلى حدود النصوص الزجرية المعمول بها، وفي مقدمتها القانون رقم 12-66 المتعلق بالمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء.
فبالرغم من أن السلطة المحلية طبقت المساطر القانونية بشكل صارم وسليم، إلا أن القضية تبرز الحاجة إلى مقاربة تشريعية أكثر واقعية ونجاعة، تأخذ بعين الاعتبار مبدأ التفريد وتعدد البدائل الزجرية.
أولا: صرامة الإجراءات واحترام المساطر القانونية
أبانت السلطة المحلية ببوسكورة عن التزام كامل بالمقتضيات القانونية من خلال:
1. ضبط المخالفة من طرف السيد القائد بصفته ضابطاً للشرطة القضائية؛
2. تحرير محضر المخالفة وفق ما تنص عليه المقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل؛
3. استصدار قرار الهدم من الجهة المختصة؛
4. تبليغ القرار للمعني بالأمر داخل الآجال القانونية؛
5. تنفيذ الهدم على نفقة المخالف طبقاً للقانون 12-66.
وبذلك فقد احترمت السلطات المسار الإجرائي من بدايته إلى نهايته، دون أي تجاوز أو تعسف، مما يجعل القرار من الناحية الشكلية والموضوعية منسجما مع روح القانون.
ثانيا: إشكالية عدم اللجوء إلى مسطرة التسوية.
كان بإمكان صاحب المشروع تفادي الهدم بشكل كامل لو أنه تقدم بطلب تسوية الوضعية القانونية للبناء المخالف خلال فترة سريان المرسوم الخاص بتسوية البنايات غير القانونية، والذي امتد لسنوات قبل أن ينتهي في 8 ماي 2025.
هذه المسطرة كانت فرصة ثمينة لمعالجة عشرات الآلاف من الملفات عبر التراب الوطني، وكان الهدف منها هو إدماج البنايات القائمة ضمن الشرعية القانونية بدل هدمها، ضمانا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للخواص.
غياب المبادرة من طرف صاحب المشروع يطرح سؤالا حول مدى انتشار ثقافة التعمير واحترام ضوابطه، ويُبرز حاجة ملحة لتكثيف التوعية واليقظة الاستباقية بدل انتظار وقوع المخالفة.
ثالثا: نحو مراجعة شاملة للقانون 12-66.
رغم ما وفره القانون رقم 12-66 من أدوات مهمة لمحاربة فوضى البناء، إلا أنه لا يزال يميل بشكل كبير إلى المقاربة الزجرية التقليدية التي تضع الهدم كخيار أساسي، في غياب بدائل قابلة للتفعيل.
ومن منظور أكاديمي، أصبح من الضروري فتح نقاش وطني حول تحيين هذا القانون عبر:
1. إدراج عقوبات بديلة
مثل:
غرامات مالية تحتسب كنسبة من قيمة المشروع أو الضرر العمراني؛
إلزام صاحب المشروع بإنجاز أشغال تكميلية أو تصحيحية لإعادة البناء إلى وضع قانوني؛
فرض مساهمات مالية توجه إلى صندوق دعم التعمير أو إلى برامج التأهيل الحضري.
هذه المقاربة من شأنها:
تعزيز موارد الدولة؛
تقليل الخسائر الاقتصادية؛
تقوية الامتثال دون المساس بالمصلحة العامة.
2. ملاءمة المقتضيات الزجرية مع التطور العمراني
تحولات نمط البناء، توسع المدن، وتعقيد المساطر الإدارية، كلها عوامل تجعل المنظومة الحالية غير كافية.
3. استلهام تجربة العقوبات البديلة في القانون الجنائي
القانون الخاص بالعقوبات البديلة، الذي دخل حيز التنفيذ مؤخرا، أظهر نجاحا ملحوظا في:
تخفيف الضغط على المؤسسات العقابية؛
تعزيز العدالة التصالحية؛
تحقيق الردع الفعال دون المساس بالكرامة أو المصالح الجوهرية.
إن إدماج فلسفة مماثلة في مجال التعمير سيعد نقلة نوعية في السياسة التشريعية بالمغرب.
رابعا: نحو منظومة تعمير عادلة وفعالة.
إن قضية قصر بوسكورة ليست حدثا معزولا، بل نموذجا يعكس:
صرامة الدولة في حماية المجال العمراني؛
الحاجة الماسّة إلى نصوص أكثر مرونة وواقعية؛
ضرورة إدماج مبدأ “العقوبة المناسبة للفعل” عوض الاكتفاء بالهدم.
التعمير ليس فقط مسطرة تقنية، بل هو سياسة عمومية ترتبط بالاستثمار، والسكن، والتنمية، والاستقرار الاجتماعي. ومن ثَمّ، فإن تجويد المنظومة القانونية يظل شرطا جوهريا لتحقيق تنمية حضرية مستدامة.
خلاصة القول يمكن ان نعتبر أن قضية قصر بوسكورة مثال واضح على أن تطبيق القانون شيء، ونجاعة القانون شيء آخر.
فالسلطة المحلية قامت بواجبها، لكن النص التشريعي نفسه يحتاج إلى مراجعة تضمن الردع دون خلق خسائر اقتصادية واجتماعية كان من الممكن تفاديها عبر بدائل تشريعية مختلفة.
إن تحديث القانون 12-66 أصبح ضرورة ملحة لضمان تعمير منصف، عقلاني، وفعال.

