
بقلم : محمد غفغوف
لا شيء يثير الغضب في فاس أكثر من تكرار المشهد نفسه، فكلما اقتربت رياح الانتخابات، وجوهٌ استهلكتها السياسة حتى العظم تعود في كل دورة كأنها تُبعث من رماد الهزائم، ووجوهٌ اعتادت احتكار التمثيلية البرلمانية لولايات متعددة، مستندة إلى نفوذ مالي يشتري الصمت قبل الأصوات، أو إلى قربٍ مرضي من قيادات حزبية تُوزّع التزكيات كما تُوزّع الامتيازات، بلا احترام للديمقراطية الداخلية ولا لذكاء قواعدها.
وفي الضفة الأخرى، يظهر جيل جديد من “السياسيين الموسميين” الذين وجدوا في العمل المدني والخيري طريقًا مختصرًا نحو تلميع وجوههم، ودخول الحلبة الانتخابية بلباس الرحمة بدل برنامج سياسي.
رجال ونساء يوزعون القفف والكراسي المتحركة وصور الأيتام، لا طمعًا في الأجر، بل طمعًا في الظهور.
والأسوأ أن خلفهم جيوش من الشباب والنساء الذين حوّلوا العمل الجمعوي إلى تجارة انتخابية صريحة، والنشاط الرياضي إلى منصة دعاية لا علاقة لها بالتنمية ولا بالتربية البدنية، بل بالتصويت البدني فقط.
حدثني أحد أبناء فاس، من الذين يعرفون تضاريس السياسة المحلية كما يعرفون شوارعها:
“ما نراه اليوم ليس عملًا سياسيًا ولا مدنيًا… بل طقوس عبور نحو البرلمان، يمارسها من تآكل رصيدهم ومن لم يكن لهم رصيد أصلًا.”
ثم أضاف ساخرًا:
“سأترشح ولو لم أحصل إلا على صوتي”.
فقلت له:
“اطمئن… صوتي لك، على الأقل لست بائع أوهام”.
لكن خلف هذا الضحك مرارةُ مدينة سئمت من نفس الوجوه التي ورثت السياسة وراثة، واحتلت مقاعد البرلمان لا لأنها أصلح، بل لأنها أغنى، أو لأنها أكثر قربًا من مطابخ القرار الحزبي.
إن المغرب الذي نحلم به — مغرب العدالة السياسية، وتكافؤ الفرص، ونظافة الفعل العمومي — لن يُبنى على أكتاف من حوّلوا السياسة إلى ضيعة خاصة، والعمل الخيري إلى بطاقة دخول، والنشاط الرياضي إلى طُعم انتخابي.
لن ينهض بلدٌ تُهدر فيه الديمقراطية الداخلية أمام سطوة المال والنفوذ، وتُختزل فيه قيمة الإنسان في صور يُعاد تدويرها كل خمس سنوات.
فاس ليست مدينة تُدار بصدقات موسمية، ولا بشعارات مدفوعة الثمن، ولا بتحالفات خفية بين المال والسلطة.
فاس تحتاج إلى رجال ونساء يملكون مشروعًا لا ميزانية توزيع، ورؤية لا تلميعًا، وجرأة لا تمويهًا.
وليعلم الجميع:
الزمن تغيّر…
والوعي ارتفع…
والمدينة التي أنجبت النخبة الحقيقية لن تقبل أن يُمثّلها مزورو الأخلاق ولا بائعي التضامن المعلّب.

